صور إسرائيل في الفضائيات الإخبارية العربية

Abstract

تهدف دراستنا التي تتمحور حول صورة إسرائيل في الفضائيات الإخبارية العربية - دراسة تحليلية لقناتي الجزيرة والميادين إلى التعرف على الحقيقة السياسية والاجتماعية والثقافية لدولة إسرائيل، وعنينا بها - إجمالا - حقيقة الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية، عبر ما تعرضه عينة الفضائيات المذكورة بخصوص إسرائيل من خلال اهتمامنا ضمن حدود هذا الهدف المكون المعرفي الذي يبرز أطروحات الخطاب الإعلامي لتلكم العينة حول ما يسمى بدولة إسرائيل، ذلك أن المفاهيم والمعاني المصنوعة عبر ذاك الخطاب والمنبثقة عن مجموعة علامات متشابكة، تمثل في تقديرنا بؤرة الصورة المراد دراستها وارتباطا مع هذا الهدف الجزئي وقع اهتمامنا أيضاً بالمكون الوجداني الذي يفصح عن اتجاه المعالجة الإعلامية للشؤون الإسرائيلية في الخطاب محل التحليل، ثم استهدفنا المكوّن السلوكي للرسالة الإعلامية الذي يشمل الاستراتيجيات الإقناعية الأمر الذي من شأنه تسهيل النفوذ إلى التموضع الأيديولوجي لصاحب القرار الإعلامي من جهة، ومن الجهة المقابلة التخمين حول التموقع المطلوب من متلقي الرسالة الإعلامية. وقد جاء سعينا لتحقيق هذه الجملة من الأهداف مرتبطا من البداية بطبيعة الظروف التي أحاطت بالمنطقة العربية وسميت إعلاميا بالربيع العربي، حيث كانت بمثابة متغير ساهم في تقدير جديد لموقف الوجود الإسرائيلي في المنطقة العربية، وبناء على هذا كله انطلقنا من تساؤل رئيسي مفاده

كيف رسم الخطاب الإعلامي للفضائيات الإخبارية العربية صورة إسرائيل ووجه الاهتمام بها في سياق الصراع السياسي الناشئ عن الحراك العربي الذي ابتدأ مطلع سنة 2011 وضمن

التساؤل قمنا بطرح عدة تساؤلات فرعية:

ما هي مختلف الأطروحات التي تتشكل منها صورة إسرائيل في الخطاب الإعلامي الفضائيات

الإخبارية العربية وما محور هذه الأطروحات؟

- ما هو الاتجاه الذي أخذته معالجة الفضائيات الإخبارية العربية للمواضيع والقضايا التي تشكل

بؤرة صورة إسرائيل في خطاب هذه الفضائيات؟ ما هي الاستراتيجيات الإقناعية المعتمدة في القرار الإعلامي للفضائيات الإخبارية العربية حين

صوغه الصورة إسرائيل؟

وابتغاء الحصول على إجابات لهذه التساؤلات والوصول من ثم إلى تحقيق أهداف الدراسة ثم السير وفق خطة بحثية أبعد ما تكون عن التكديس، حيث يتساند الجانبان النظري - والميداني (التحليلي المكتبي) لبلورة إجابة محددة عن التساؤل المركزي الدراسة، ففي الجانب. النظري عمدنا أولا على التعمق أكثر في مفهومي الصورة والخطاب، ثم ربطهما بالإعلام كحقل معرفي، مما نتج عنه ارتباط الصورة بالرأي العام والنظرية اللسانية وأخيراً ببناء الواقع الاجتماعي، في حين ارتبط مفهوم الخطاب الإعلامي بالاختيارات الأيديولوجية وفي النهاية بإنتاج

تمثل الأخر.

لقد كان ما توصلنا إليه بداية بخصوص الصورة والخطاب وتجلياتهما الإعلامية حافزاً توجيهيا لنا حين الانتقال ثانيا على تناول موضوع الفضائيات العربية عموما والإخبارية منها خصوصا، وذلك عبر النظر والتفكير مبدئيا في ظاهرة البث التلفزي العربي ضمن سياقاتها، أين يثبت سريعا أن النظام السياسي هو أهم عوامل التأثير ضمن بيئة الاتصال العربية، وأن مشاكل هذا النظام المسمى في الأدبيات بالنظام الرسمي العربي ستنعكس في علاقة تأثير وتأثر متشعبة على القرار الإعلامي للفضائيات العربية. وقد شد انتباهنا أن أبرز المشاكل التي يتعرض لها النظام الرسمي العربي في سياق الأحداث التي سميت بالربيع العربي هو المشكلة الطائفية، مما جعلنا لا نتوانى عن تناول الفضائيات الإخبارية لاسيما الفضائيتين محل الانشغال (الجزيرة والميادين) في ضوء حالة الاستقطاب الطائفي التي تمر بها المنطقة العربية، نظرا لمفاعيل هذه الحالة على عملية صناعة الرأي العام في العالم العربي التي تزداد أهميتها في حال وقوع تحديات إستراتيجية على غرار الوجود الإسرائيلي في الإقليم العربي، وهنا تحديداً تصبح عملية صناعة الرأي العام إنتاجا لتمثل الآخر، هذا الأخير الذي جهدنا في التقديم له ضمن الخطوة الثالثة من الجزء النظري لبحثنا، حيث وضحنا حدود فهم المسألة اليهودية ممثلة في ثلاث خطوط عريضة أساسية هي: التوراة واليهودية من حيث هي نظام كهنوتي مرتبط بالنزعة الحلولية وأخيرا الصهيونية كحركة سياسية ذات جوهر مسيحاني (مسياني)، وجميع هذه الخطوط العريضة متصل بوثاقة بإشكالية الرابطة العصبية الإسرائيلية، وعلى هذا المرتكز تم تأسيس دولة إسرائيل التي يأخذ وجودها في منطقة القلب من العالم العربي طابعا جدليا ترجمناه إلى ثلاثة قضايا مفاهمية الأولى منها هي النظام السياسي وأزمانه البنيوية والثانية هي نظرية الأمن الإسرائيلية والقضية الخيرة هي الهجرة

والاستيطان.

إن هذه القضايا المفاهيمية الثلاث وعبر حدود فهم المسألة اليهودية هي ما يفترض أنه الواقع، الذي أردنا من البداية أن نقترب من هيئته ضمن نطاق فضائيتي الجزيرة والميادين، مسترشدين بمنظور التفاعلية الرمزية الذي يشرعن في الآن نفسه اتجاهنا البحثي على المستويين النظري والميداني (التحليلي - المكتبي)، وقد كان اختيارنا له أول إجراء منهجي قمنا به، تلا ذلك تحديدنا لمنهج الدراسة الذي هو منهج المسح بالعينة، وفي إطاره استخدمنا تحليل المحتوى كأداة لجمع البيانات ثم إعمالها مع ملاحظة العملية، لتحليل عينة عمدية من البرامج الحوارية بلغت 30 عدداً، مقسمين بالتساوي بين قناتي الجزيرة والميادين، وشمل الاختيار برنامج ما وراء الخبر في الجزيرة وخلف الجدار في الميادين، وقد اخترنا تماشيا مع أهداف دراستنا مجموع وعة من الفئات والوحدات التحليلية، أما الفئات فتتمثل على مستوى الشكل في فئة الزمن والإخراج الفني وفئة الضيوف، وعلى مستوى المضمون في فئات الموضوع اتجاه الموضوع، القيم اتجاه القيم، الفاعلين السمات، المصدر الاستمالات. وأما الوحدات فقد استخدمنا وحدني الزمن والفكرة وجميع هذه الإجراءات قادتنا إلى تحديد حقيقة سياسية واجتماعية وثقافية لدولة إسرائيل في الخطاب الإعلامي للعينة المذكورة، إلا أن هذه الحقيقة ظلت حبيسة الخيارات الأيديولوجية المحكومة بدورها بالعوامل الجيو - سياسية الضاغطة، مما جعل إسرائيل تبدو في خطاب الجزيرة دولة عادية (لها شرعية الوجود) ديموقراطية علمانية وفق النمط الغربي، مع شعارات دينية يهودية واضحة، وهي مدعومة من العالم الغربي وفي طليعته الولايات المتحدة الأمريكية هما أقلها أكثر لتكون دولة متفوقة استراتيجيا على محيطها العربي، الذي تدخل معه في صراع إقليمي حولها إلى دولة معتدية تحتل أراضي عربية وتستوطن فيها، وتستضعف أهلها، والحل في متخيل الجزيرة هو التسوية السلمية التي تتجاوب مع مقاومة إسلامية قابلة للتحديث. أما في قناة الميادين فتبدو إسرائيل دولة فصل عنصري بخلفية دينية يهودية وشعارات ديموقراطية، ومدعومة غربيا وأمريكيا، وآيلة نحو المزيد من التشرذم والفساد الاجتماعي والسياسي، وهي فوق هذا دولة استيطانية لاغية الشرعية رغم تفوقها الاستراتيجي، والحل في متخيل الميادين هو المقاومة المرتهنة لتسوية إيرانية - غربية.